كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي: وابن لهيعة يضعف في الحديث. الرابعة: قيل: في الآية دلالة على أن الوضوء لا يجب لغير الصلاة. وأيد بما رواه أو داود والنسائي والترمذي عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة. قال الترمذي: حديث حسن.
وروى مسلم عن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم. فأتى الخلاء. ثم إنه رجع فأتي بطعام، فقيل: يا رسول الله! ألا تتوضأ؟ فقال: لم أصلّ فأتوضأ.
وأما اشترط الوضوء لطواف وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ومسّ المصحف- عنه من أوجبه- فمن أدلةٍ أخر مقررة في فقه الحديث.
الخامسة: «وجوب غسل الوجه» والغسل إمرار الماء على المحل حتى يسيل عنه، هذا هو المحكي عن أكثر الأئمة. زاد بعضهم: مع الدلك. وعن النفس الزكية: أن مجرد الإمساس يكفي وإن لم يَجِْر. وحدّ الوجه من منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولًا. ومن الأذن إلى الأذن عرضًا. وقد ساق بعض المفسرين هنا مذاهب، فيما يشمله الوجه وما لا يشمله، ومحلها كتب الخلاف.
السادسة: «وجوب غسل اليدين»: وهذا مجمع عليه؛ وأما المرفقان، تثنية مرفق «كمنْبَر ومَجْلِس» موصل الذراع في العضد، فالجمهور على دخولهما في المغسول؛ وحكي عن زفر وبعض المالكية وأهل الظاهر عدم دخولهما. وسبب الخلاف أن المغيّا بـ «إلى» تارةً يتضح دخوله في الغاية، وطورًا لا، وآونة يحتمل.
قال الزمخشري: «إلى» تفيد معن الغاية مطلقًا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل فمما فيه دليل على الخروج قوله: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، لأن الإعسار علة الإنظار، وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرًا في كلتا الحالتين، معسرًا وموسرًا، وكذلك: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. لو دخل الليل لوجوب الوصال؛ ومما فيه دليل على الدخول قولك: حفظت القرآن من أوله إلى آخره، لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله. ومنه قوله تعالى: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]. لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله؛ وقوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} و: {إِلَى الْكَعْبَينِ} لا دليل فيه على أحد الأمرين، فأخذ كافة العلماء بالاحتياط. فحكموا بدخولها في الغسل، وأخذ زفر وداود بالمتيقن، فلم يدخلاها. انتهى.
قال الرضي: الأكثر عدم دخول حدّي الابتداء والانتهاء في المحدود. فإذا قلت: اشتريت من هذا الموضع إلى ذلك الموضع، فالموضعان لا يدخلان ظاهرًا في الشراء. وجوز دخولهما فيه مع القرينة؛ وقال بعضهم: ما بعد «إلى» ظاهر الدخول فيما قبلها. فلا تستعمل في غيره إلا مجازًا. وقيل: إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها نحو: أكلت السمكة إلى رأسها، فالظاهر الدخول وإلاّ فلا، نحو: أتموا الصيام إلى الليل. والمذهب هو الأول. ثم قيل: بأنها في الآية بمعنى «مع» كقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُم} [النساء: 2]. قال: الرضي: والتحقيق أنها بمعنى الانتهاء. أي: تضيفوها إلى أموالكم، ومضافة إلى المرافق. انتهى.
قال صاحب «النهاية»: وقول من لم يدخل المرافق من جهة الدلالة اللفظية أرجح، وقول من أدخلها من جهة الأثر أبين، لأن في حديث مسلم مما رواه أبو هريرة: أنه غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد. ثم اليسرى، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق. ثم اليسرى كذلك. واحتج أهل المذاهب بحديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يدير الماء على مرفقيه. قالوا: ودلالة الآية مجملة. وهذا بيان للمجمل. وبيان المجمل الواجب يكون واجبًا. انتهى.
وقال المجد ابن تيمية في «المنتقى»: يتوجه من حديث أبي هريرة وجوب غسل المرفقين لأن نص الكتاب يحتمله، وهو مجمل فيه، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل الكتاب، ومجاوزته للمرفق ليس في محل الإجمال، ليجب بذلك. انتهى.
وأجابوا بأن حديث جابر رواه الدارقطني والبيهقي. وفي إسناده متروك. وقد صرح بضعفه غير واحد من الحفاظ. وحديث أبي هريرة فعل لا ينتهض بمجرده على الوجوب. وقولهم «هو بيان للمجمل» فيه نظر. لأن «إلى» حقيقة في انتهاء الغاية- كما قدمنا- فلا إجمال. والله أعلم.
السابعة: قال الرازي: يقتضي قوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} تحديد الأمر، لا تحديد المأمور به. يعني أن قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} أمر بغسل اليدين إلى المرفقين فإيجاب الغسل محدود بهذا الحدّ فبقي الواجب هو هذا القدر فقط، أما نفس الغسل فغير محدود بهذا الحدّ، لأنه ثبت بالأخبار أن تطويل الغرة سنة مؤكدة. انتهى.
الثامنة: أشعر أيضًا قوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} أن ينتهي في غسل اليدين بها، ويبتدأ بالأصابع. قال الحاكم: وقد وردت السنة بذلك، وهو الذي عليه الفقهاء، ولدلالة لفظ «إلى» لأنها للغاية، وغاية الشيء آخره. وقالت الإمامية: السنة أن يبتدئ بالمرفق. وقالوا: إن «إلى» هنا بمعنى «من» قال الحاكم: هذا تقدير فاسد.
التاسعة: ذهب الجمهور إلى أن تقديم اليمين على الشمال سنّة، مَنْ خالفها فاته الفضل وتم وضوؤه. وذهب العترة والإمامية- كما في «البحر» للمهدي- إلى وجوبه. واحتج عليهم بأن الآية لا تفيد ذلك، فمتى غسلهما مرتبًا أو غير مرتب- قدم اليمنى أو اليسرى- فقد امتثل الأمر. وأجابوا بأن الدلالة على الوجوب من السنة، فقد روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بأيامنكم»! وأجيب: بأن الأمر للندب لقوله: إذا لبستم وإذا توضأتم، فقرن بينه وبين اللبس. فإذن يدل على وجوب التيامن في اللبس كما يدلّ عليه في الوضوء، وهم لا يقولون به. أيضًا فقد روي عن عليّ عليه السلام أنه قال: ما أبالي بدأت بيميني أو بشمالي إذا أكملت الوضوء. رواه الدارقطني. وروى نحوه البيهقي وابن أبي شيبة. وروى أبو عبيد في الطهور: أن أبا هريرة كان يبدأ بميامنه، فبلغ ذلك عليًا فبدأ بمياسره. ورواه أحمد بن حنبل عن عليّ قال الحافظ ابن حجر: وفيه انقطاع. وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا. وكذلك الحديث وكذلك الحديث المقترن بالتيامن في اللبس، المجمع على عدم وجوبه، صالح لجعله قرينة تصرف الأمر إلى الندب. ودلالة الاقتران- وإن كانت ضعيفة- لكنها لا تقصر عن الصلاحية للصرف لاسيما مع اعتضادها بقول عليّ عليه السلام وفعله.
العاشرة: ذهب بعض العترة إلى أنه لا مسح على الجبائر. ففي «الأحكام» من كتبهم: إذا جبر على جرح أو كسر وخشي نزع الجبائر ضررًا، لا يشرع المسح. قال: لأن الآية تقتضي غسل اليد دون ما عليها. والجمهور منهم ومن غيرهم: أنه يمسح، لحديث جابر: إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده. رواه أبو داود والدارقطني. وصححه ابن السكن.
الحادية عشرة: «وجوب مسح الرأس»:
والمسح إمساس المحل الماء بحيث لا يسيل، والباء في قوله تعالى: {بِرُؤُوسِكُمْ} تدل على تضمين الفعل معنى الإلصاق، فكأنه قيل: وألصقوا المسح برؤوسكم قال الزمخشري: وماسح بعض الرأس ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه. أي: فيكون الواجب مطلق المسح كلًا أو بعضًا- وأيًّا ما كان- وقع به الامتثال. والسنة الصحيحة وردت بالبيان، وفيها ما يفيد جواز الاقتصار على مسح البعض في بعض الحالات كما في صحيح مسلم وغيره من حديث المغيرة، أنه صلى الله عليه وسلم أدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة، أنه مسح رأسه فأقبل وأدبر. وهذه هي الهيئة التي استمرّ عليهما صلى الله عليه وسلم. فاقتضى هذا أفضلية الهيئة التي كان صلى الله عليه وسلم يداوم عليها. وهي: مسح الرأس مقبلاّ ومدبرًا. وإجزاء غيرها في بعض الأحوال. ولا يخفى أن الآية لا تفيد إيقاع المسح على جميع الرأس. كما في نظائره من الأفعال. نحو: ضربت رأس زيد، وبرأسه. وضربت زيدًا وضربت يد زيد. فإنه يوجد المعنى اللغوي في جميع ذلك، بوجود الضرب على جزءٍ من الأجزاء المذكورة. وهكذا ما في الآية. وليس النزاع في مسمى الرأس لغة، حتى يقال: إنه حقيقة في جميعه. بل النزاع في إيقاع المسح عليه. وعلى فرض الإجمال، فقد بينه الشارع تارةً بمسح الجميع، وتارةً بمسح البعض، بخلاف الوجه. فإنه لم يقتصر على غسل بعضه في حال من الأحوال، بل غسله جميعًا. وأما اليدان والرجلان فقد صرح فيهما بالغاية. فإن قلت: إن المسح ليس كالضرب الذي مثلث به. قلت: لا ينكر أحد من أهل اللغة أنه يصدق قول من قال «مسحت الثوب أو بالثوب. أو مسحت الحائط أو بالحائط» على مسح جزء من أجزاء الثوب أو الحائط. وإنكار مثل هذا مكابرة. كذا في «الروضة».
قال شمس الدين بن القيّم في «الهدى»: ولم يصحّ عنه صلى الله عليه وسلم في حديث واحد، أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة. ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة- فأما حديث أنس الذي رواه أبو داود: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة- فهذا مقصود أنس به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْقُضْ عمامته حتى يستوعب مسحُ الرأس الشعرَ كله. ولم ينف التكميل على العمامة. وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره. فسكوت أنس عنه لا يدل على نفيه. انتهى.
قال الشوكاني: ليس النزاع إلا في الوجوب. وأحاديث التعميم، وإن كانت أصح، وفيها زيادة وهي مقبولة- لكن أين دليل الوجوب؟ وليس إلاّ مجرد الفعل. وهو لا يدل على الوجوب. ثم قال: وبعد هذا، فلا شك في أولوية استيعاب المسح لجميع الرأس وصحة أحاديثه. ولكن دون الجزم بالوجوب، مفاوز وعقاب.
فصل:
وأما قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. فقرأه بالنصب نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب. وبالجرّ الباقون، ومن هاتين القراءتين تشعبت المذاهب في صفة طهارة الرجلين. فمن ذاهب إلى أن طهارتهما الغسل. ومن ذاهب إلى أنها المسح. ومن مخيّر بينهما. ولكلٍّ من هذه المذاهب حججٌ وتأويلاتٌ وأجوبةٌ ومناقشاتٌ تسوق شذرةً منها. فنقول: قال الأولون: قراءة النصب ظاهرهما يفيد الغسل. وقراءة الجرّ ظاهرهما يفيد المسح. إلا أنه لما وجد ما يرجح الغسل تأولنا ما أفادته قراءة الجرّ في الظاهر. والمرجح للغسل أمور: منها ما في «الصحيحين» و«السنن» عن عثمان وعليّ وابن عباس ومعاوية عبد الله بن زيد بن عاصم والمقداد بن معد يكرب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين في وضوئه، إما مرةً وإما مرتين أو ثلاثًا. على اختلاف رواياتهم. وفي حديث عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل قدميه ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به.
وفي «الصحيحين» عن عبد الله بن عَمْرو قال: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره. فأدركَنا وقد أهنا العصر. فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا. قال، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار. مرتين أو ثلاثًا. وكذلك هو في «الصحيحين» عن أبي هريرة. وفي «صحيح مسلم» عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أسبغوا الوضوء. ويل للأعقاب من النار»، وروى البيهقي والحاكم، بإسناد صحيح، عن عبد الله بن الحارث بن جزء؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» وروى الإمام أحمد وابن ماجة وابن جرير عن جابر بن عبد الله قال: رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في رِجْلِ رَجُلٍ مثلَ الدرهم لم يغسله، فقال: «ويلٌ للأعقاب من النار». قال ابن كثير: ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهرة. وذلك أنه لو كان فرض الرجلين مسحهما، أو أنَّه يجوز ذلك، لما توعد على تركه، لأن المسح لا يستوعب جميع الرِّجل. بل يجري فيه ما يجري في مسح الخف. وروى الإمام أحمد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبيّ: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلّي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدر الدرهم، لم يصبها الماء. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء». زاد أبو داود: والصلاة. وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: حدثنا عَمْرو بن عَبسَة قال: «قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، قال: ما منكم من أحدٍ يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر، إلاّ خرت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر، ثم يغسل وجهه كما أمره الله إلاّ خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلاّ خرت خطايا يديه من أطراف أنامله. ثم يمسح رأسه إلاّ خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمر الله إلاّ خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء. ثم يقوم فيحمد الله ويثني بالذي هو له أهل، ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».